الكذب المرضي النفسي❗

مُقدمه:
«أنت كاذب»؛ جملة تتردد صداها في كل لحظة في مخيلة مصاب الكذب المرضي، قد ينكرها في أحيانٍ كثيرة، ولكنها في النهاية؛ الحقيقة التي يراها من حوله دون أن يدري؛ لذا فهو بحاجة ماسة للمساعدة والدعم من الآخرين، وبدلًا من إهانته يجب مساعدته للعلاج، أو التوقف عن مشاركته أكاذيبه، مفهوم اضطراب الكذب المرضي، وأسبابه، وعلاجه في السطور أدناه. 

الكذب المرضي والكذب العادي:

الكذب هو صفة غير مقبولة في جميع الأوقات وغير محببة للنفوس؛ كما أنها سمة للخداع في جميع الأديان والثقافات، فقد يضطر الشخص العادي للكذب في بعض المواقف التي يمر بها؛ خوفًا من تعرضه لعقاب أو أذى، أو لمنع حدوث شيء سيئ، أو للخروج من موقف اضطراري تعرض له، ولكن الأخطر هو الكذب المستمر بدون داعٍ أو بدون سبب يدفع الشخص لذلك؛ وهو ما يعرف باسم الكذب المرضي.

الكذب المرضي في علم النفس:

فالكذب المرضي أو الميثومانيا؛ كسلوك بشري خضع للكثير من أساليب التشخيص النفسي من قبل الأطباء النفسيين والباحثين لمعرفة ماهيته، وهل هو اضطراب نفسي له أسباب محددة أم أنه سلوك اعتيادي للشخص؟ حيث تم تعريف الكذب المرضي من قبل الأطباء النفسيين بأنه سلوك قهري يدفع الشخص للكذب بدون أي مبرر وبدون أن يدري أنه يكذب؛ فهو شخص يتحدث بالأكاذيب المسلسلة طوال الوقت، كما أنه يصدق ما يقول حتى ولو كان بشكل ظاهري. على الرغم من طول فترة البحث والتحليل النفسي لاضطراب الكذب المرضي منذ عام 1891 وحتى الآن؛ إلا أنه لم يدرج إلا مؤخرًا في التصنيف العام التابع للجمعية الأمريكية للطب النفسي للتشخيص والإحصاء، وفي دليل منظمة الصحة العالمية لتصنيف الأمراض، ولكن بوجه عام تم تصنيفه من قبل الطب النفسي على أنه اضطراب نفسي نتيجة صدمات نفسية وعصبية تعرض لها الشخص فأصبح حبيس هذه الذكريات المؤلمة غير قادر على تجنبها إلا بالكذب المستمر.

أسباب الكذب المرضي:

لم يتم التوصل إلى سبب فسيولوجي أو نفسي محدد حتى الآن؛ ولكن هناك عدد من الدوافع المباشرة وغير المباشرة التي تجعل الشخص يتحدث بالكذب طوال الوقت حتى إنه يصدق ما يقول ويؤمن به؛ ومن هذه الأسباب:

 كسب التعاطف:

الشخص الكاذب بدون دافع هو شخص تعرض لأشكال من القمع النفسي وتحقير الذات والأذى النفسي والجسدي، جعلته يعيش فقط في دور الضحية التي تسعى بشتى الطرق لكسب تعاطف الآخرين، فهو يرى نفسه دائمًا أحق باهتمام الآخرين لتعويض ما تعرض له من إهانة نفسية أو جسدية، أو نتيجة تفوق الآخرين عليه في نفس مجاله.

الخلل في المواد الكيميائية بالدماغ:

توصلت عدد من الدراسات النفسية إلى وجود سبب فسيولوجي للكذب القهري؛ وهو زيادة طفيفة في بعض المواد الكيميائية في الدماغ ومنها نسبة المياه البيضاء المسؤولة عن المعالجة الدماغية للإنسان، والتحكم اللفظي واللغوي؛ فتظهر عليه بعض أعراض السيولة اللفظية والمبالغة في وصف معطيات الواقع، وهو ما يؤثر سلبًا على بعض الخلايا المخية الأخرى.

التنشئة الأسرية:

بحسب الطب النفسي؛ نسبة لا تقل عن 40% من مرضى الكذب القهري هم ضحايا للنشأة الأسرية غير السوية وغير القادرة على احتواء أبنائها، حيث تعرض الأبناء للأذى النفسي والجسدي في الصغر، أو التحقير أمام الآخرين أو العقاب المبالغ فيه أو رفض التبريرات والأعذار للطفل؛ كلها أسباب ينجم عنها بالغ غير سوي نفسيًا، يرغب في تزيين نفسه باستمرار ليثبت للآخرين أنه الأفضل حتى ولو كذبًا.

الرغبة في الامتلاك:

حب الأنا والرغبة في امتلاك كل شيء هو دافع قوي للكذب القهري أو المرضي؛ في بعض المواقف التي يجد الشخص نفسه يفقد شيئًا محببًا لديه تعرضه على امتلاكه دومًا، فيبحث عن كذب منطقي أحيانًا وخيالي أحيانًا أخرى ليظل متملكًا له؛ كما أن الكذب المرضي يحقق له إشباعًا ذاتيًا.

العوامل الوراثية:

أثبتت الدراسات النفسية أن نسبة لا تقل عن 30% من مرضى الكذب المرضي هم أبناء لآباء أو أمهات يعانون من اضطراب نفسي أو عقلي.

الخلل العصبي:

قد تؤدي الإصابات العصبية في خلايا الدماغ والخلل في الجهاز العصبي المركزي إلى الكذب المرضي؛ فيمكن أن تكون بعض الاضطرابات العصبية مثل الصرع أو تشتت التركيز أو التعرض لحادث تسبب في نزيف بالمخ أو إصابة بالرأس سببًا للكذب المرضي.

سمات مصابي الكذب المرضي:

توجد بعض الأعراض التي تكشف مصابي الكذب المرضي من خلال سلوكهم ولغة الجسد لديهم، ومن هذه السمات: الكذب بدون سبب؛ هو سمة مريض الكذب، حيث ترى بعض الأشخاص يحكون قصصا غير واقعية بدون أي فائدة ستعود عليه، ولكنه يقوم بذلك وهو مضطرب نفسيًا؛ لأن الكذب أصبح سمة فطرية لديه، وقانعا لنفسه بالصدق.

الثقة بالذات:

يشترك مصابو الكذب المرضي في ظهور علامات الثقة في الذات وهم يروون حكاياتهم الخيالية، فلا تظهر عليهم أي علامات للتوتر أو القلق أو المبالغة في الحكايات، بل يبدون بشكل متزن وواثق من ذاته، كما أنه يحكي التفاصيل بدقة وينتقل من جزء لآخر بتسلسل ودرامية مقنعة.

الظهور كبطل أو ضحية:

الشخص المريض بالكذب؛ لا يرى حكاياته إلا وهو بطلها أو ضحية فيها، في محاولة منه لكسب التعاطف أو الاحترام من الآخرين، وبخاصة إذا كان ضحية لذكريات أو تنشئة أسرية غير سوية.

تصديق نفسه:

هل الشخص المصاب بالكذب المرضي يعرف أنه كاذب؟ تساؤل ما زال محل بحث متخصصي الصحة النفسية؛ فهناك بعض الدراسات التي تشير إلى أنه غير واعٍ لما يقول مع تصديقه لكذبه؛ بينما يشير آخرون إلى أنه يعلم كذبه ولكنه يرغب في تغيير الحقائق، دون أن تظهر عليه أي علامات للكذب.

اختلاف القصص باستمرار:

نتيجة نسج هؤلاء الأشخاص لقصص من وحي خيالهم طوال الوقت فيكون من الصعب رواية نفس القصص بنفس التفاصيل في كل مرة، لأنه سيجد صعوبة في تذكر نفس التفاصيل وهو ما يظهر بتغير الروايات والأشخاص والأحداث.

علاقة الكذب المرضي بالاضطرابات النفسية:

ربط الباحثون بين الكذب القهري في بعض الحالات وبين عدد من اضطرابات الشخصية والاضطرابات النفسية؛ فقد تتسبب في الإصابة بالكذب المرضي كرد فعل قوي على الخلل في شخصية الفرد؛ ومنها:

اضطراب الشخصية النرجسية:

يتسبب هذا الاضطراب في شعور الشخص بمدى عظمته وأهميته، فهو شخص يرى نفسه عظيما والجميع بحاجة إليه؛ وبالتالي قد يستمر في الكذب لكي يرى احتياج الآخرين له.

اضطراب الشخصية الانفعالية

تعرف هذه الشخصية بالشخصية الحدية التي تتعامل بحدة شديدة في انفعالاتها؛ فتتعامل بسلوك انفعالي خالٍ من جميع أنواع العاطفة، فهو شخص يرى العالم مخيفا ودائمًا ما يبحث عن منفذ للهروب من الواقع والمحيطين به، ليعيش في أوهام وتخيلات وأكاذيب من نسيجه.

اضطراب الشخصية العدائية:

الشخص العدائي هو شخص كاره للمجتمع ومعادٍ للآخرين، يكون الهدف الأساسي من كذبه هو الوصول إلى هدفه ورغبته في الامتلاك؛ بالإضافة إلى تقدير الأنا لديه، كما أنه يبحث عن تحقيق منافع من وراء هذه الأكاذيب.

تشخيص الكذب المرضي:

تم إدراج الكذب المرضي في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية الصادر عن الجمعية الأمريكية للطب النفسي في نسخته الثالثة، ولكن ما زال حتى الآن يشخص هذا الاضطراب وفقًا لاختبارات نفسية لبعض الاضطرابات العقلية نتيجة وجود تشابه كبير بين أعراضه، وأعراض عدد من الاضطرابات النفسية. لذا يعتمد الطبيب في تشخيصه للكذب المرضي على عمل مقابلة مع المريض؛ لمعرفة ما يشعر به خاصةً إذا اعترف أنه يعاني من الكذب ويريد أن يتخلص منه، ولكن في حالة عدم اعترافه بمرضه يمكن عمل مقابلات مع أفراد أسرته أو مع أصدقائه.

علاج الكذب المرضي

العلاج الأفضل لهذا الاضطراب هو اعتراف الشخص بأنه يعاني من مشكلة ولا بد من علاجها؛ وهنا يكون دور الطبيب في التشخيص ثم العلاج، حيث يتم البدء في العلاج وفقًا للشخص إذا كان يعاني من اضطراب نفسي آخر أو لا؛ لذا يعالج بـ:

  • العلاج النفسي من خلال العلاج المعرفي السلوكي لتغيير أفكار الشخص ومشاعره؛ ومن ثم استبدال الكذب بسلوكيات إيجابية.

  • العلاج الدوائي حيث توصف بعض أدوية الاكتئاب والقلق في بعض الحالات.

  • الدعم النفسي من الأسرة والأصدقاء.

كيفية التعامل مع مصاب الكذب المرضي

توجد بعض التعليمات والنصائح التي تساعد على التعامل مع المرضى، والمساهمة في علاجه ودعمه نفسيًا، ومن هذه النصائح:

  • التحكم في الغضب وعدم فقد الأعصاب والهدوء عند التعامل مع المصاب.

  • عدم مواجهة الشخص بكذبه بصورة انفعالية أو بالاستهزاء، مع توقع إنكاره للكذب؛ لأنه في أحيان كثيرة يرى نفسه صادقًا.

  • طلب إعادة كلامه مرة أخرى حيث يظهر متوترًا ويدرك أنه يكذب وأن الآخرين يكتشفون كذبه.

  • يجب تقديم الدعم والمساعدة لمصاب الكذب المرضي ونصحه بالعلاج وطلب الاستشارة الطبية.

  • عدم مشاركة المصاب أكاذيبه حتى لا يستمر في الكذب.

وأخيرًا؛ مريض الكذب المرضي هو شخص عادي لا يقرر في لحظة الكذب قاصدًا الشخص الموجه إليه الكذب، ولكنه مضطرب نفسيًا غير قادر على التحكم في حصيلته اللغوية وتخيلاته ليجد نفسه يرسم قصصا وحكايات درامية تارة وواقعية تارة أخرى بتفاصيل غير حقيقية؛ لذا فهو يحتاج للدعم من الجميع.

بنهاية الموضوع : سآلين الله عز وجل أن يشفي كلَّ من أصيب بهذا الإضطراب القَهْرِي...
ختامــــــــا:-
•نحنُ معكم دائماً حدثونا بأي وقت تريدون! ولن نخذلكم أبداً فنحن في خدمتكم علي مدار اليوم! نتمني للوطن العربي #نفسيه_سويه_دائمه
شكراً للجمــــــــيع ♥
Relax Group